-->

ما هو الزواج | تعريف الزواج

 " بسم الله الرحمن الرحيم "


تمهيد :

- خلق الله الأرض و جعل الإنسان خليفة له فيها و خلق له العقل ليحسن إستخدام ما إستخلف فيه بهدف تعمير الأرض و الحفاظ على الكون و عبادة الله حتى الوقت المعلوم .

- و في سبيل تحقيق ذلك خلق الله الإنسان من نفس واحدة على هيئة ذكر و هيئة أنثى و إختص كل منهما بصفات و خصال و غرائز معينة حتى إذا ما إقترنا ببعضهما البعض فيعينا بعضهما على تحقيق الهدف من الحياة البشرية .
- فشرع الله الزواج بينهما لما فيه من بقاء للنوع الإنساني و راحة وسكينة للنفس و صيانة للأعراض و حفظ الأنساب ، فيقول الله في كتابه الحكيم :
" و الله جعل لكم من أنفسكم أزواجاً و جعل لكم من أزواجكم بنين و حفدة و رزقكم من الطيبات " - سورة النحل الآية 72 -
و أيضاً يقول سبحانه :
" و من آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها و جعل بينكم مودة و رحمة ، إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون " - سورة الروم الآية 21 -
- و الحياة ما بين الزوج و الزوجة تحتاج إلى نظام يعمل على إنشاء بشر جدد أسوياء الخلق و الخلقة ، ينسبون إلى آبائهم ، و يربون بالشكل الأمثل ليكونوا نعم الخلفاء لله ، صالحين لعبادته و تعمير الأرض في المستقبل . فالله جعل في الرجل و المرأة الرغبة الملحة للعملية الجنسية ليستخدماها في الهدف الذي خلقت من أجله ، و هو التناسل ، و لو تُرك الإنسان لشهواته و أبيح للرجل أن يجتمع بالمرأة لإشباع ميولهما لسادت الفوضى في المجتمع و قلت العناية بالنسل و ولد أطفال لا ينتمون إلى آباء و أمهات يهتمون بشؤونهم و يحيطونهم بالعناية و العطف و الحنان اللاتي وضعهم الله في قلب كل أب و كل أم ، فيخرج للمجتمع رجال و نساء شواذ السلوك لإفتقارهم لما كان يستوجب أن يحصلوا عليه في مراحل أعمارهم المختلفة من الرعاية الأبوية ، فيضحى المستقبل أكثر إنحلالاً .
- ثم إن الإنسان لا تستقيم أحواله ولا تطمئن حياته إلا بإستقرار شؤونه المنزلية و إنتظام أحواله المعيشية ، ولا يتحقق ذلك إلا بوجود شريك له في الحياة يكون له عوناً و عضداً يرعى أموره و يسهر على مطالبه و يحيطه بالرعاية و يكن له السكن .
** ولا يوجد نظام أمثل من الزواج ، الذي شرعه الله و وضع فيه الإلتزامات و الأحكام ، لينظم الحياة ما بين الرجل و المرأة و يعمل على تحقيق أهداف شراكتهما لبعضهما البعض بالشكل الأمثل .
- و نظراً لما للزواج من أهمية قصوى في الحياة الإنسانية ، فيجب على المرء عند إختياره لزوجه أن يعمل العقل و أن يجنب العاطفة و الشهوة .
- و لم يترك الشارع الإسلامي الإنسان في حيرة من أمره و وضع له الإرشادات التي تمكنه من إختيار الشريك الصحيح ، فوضع له المعايير التي ما إن إتبعها الإنسان لإستطاع إختيار الزوج المناسب ليحقق معه الهدف المنشود من الزواج و لإستقرت حياته الزوجية .
*** هذا هو موضوعنا اليوم ، لكن و قبل التحدث عن كيفية إختيار شريك الحياة المناسب يلزم علينا بداهة أن نُعرف ما هو الزواج لكي نَعرف لماذا يجب علينا أن نختار شريك الحياة ، ومن ثم نتعرف على المعايير التي على أساسها يجب أن يختار الزوج زوجته و أن تختار الزوجة زوجها .***
- لذلك سنقسم الموضوع على النحو التالي :
أولاً : تعريف الزواج
أ) التعريف اللغوي للزواج
ب) التعريف الفقهي للزواج
ثانياً : معايير إختيار شريك الحياة
أ) مواصفات الزوجة الأفضل للرجل
ب) مواصفات الزوج الأفضل للمرأة
أولاً : تعريف الزواج :
- يعتبر الزواج هو عقد الحياة الإنسانية ، فهو عقد بين الزوجين يرتبطان به إرتباطاً وثيقاً مدى الحياة ، لذلك ولت الشريعة الإسلامية إهتماماً كبيراً به و وضعت له شروطاً و أحكاماً و قواعد منذ إختيار الزوج و حتى تربية النسل و إنهاء العقد .
- فكان لازم علينا أن نتطرق إلى تعريف هذا العقد تعريفاً لغوياً و تعريفاً فقهياً حتى يتثنى لنا فهم القصد من وراءه قبل الحديث عن مقدماته .
أ) التعريف اللغوي للزواج :
- الذي يفهم من المعجم الوجيز و من مختار الصحاح - تصريف مادة زوج - أن الزواج هو إقتران شيئين ببعضهما البعض بعدأن كانا منفصلين، إذ يقول الله سبحانه و تعالى :
" كذلك و زوجناهم بحور عين " - سورة الدخان الآية 54-
بمعنى قرناهم بحور عين ، فقبل ذلك كانت النفس وحدها و الحور العين وحدها فيزوجهما الله ببعضها البعض ليصبحا زوجاً واحداً .
- كذلك يطلق لفظ الزواج على إقتران الرجل بالمرأة أو الذكر بالأنثى ، فيقول الله سبحانه و تعالى :
" قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها و تشتكي إلى الله، و الله سميع بصير " - سورة المجادلة الآية 1 -
و في تفسير القرطبي لهذه الآية فإن الزوجة هي خولة بنت ثعلبة و الزوج هو أوس بن الصامت . فلفظ زوج قد اطلق على بعل الزوجة فالزواج إذن يطلق على إقتران الرجل بالمرأة .
- ولفظ الزوج قد يطلق على المذكر و على المؤنث ، فنقول الرجل و زوجه أو الرجل و زوجته .
- و في اللغة ايضاً يترادف لفظ الزواج مع لفظ النكاح ، فنجد الله سبحانه و تعالى يقول :
" و إنكحوا الأيامى منكم و الصالحين من عبادكم و إمائكم ، إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله و الله واسع عليم . " - سورة النور الآية 32 -
ب) تعريف الزواج في الفقه :
- يقول الشيخ الجزيري ، رحمه الله ، عن تعريف الزواج :
" إختلفت فيه عبارات الفقهاء و لكنها ترجع إلى معنى واحد و هو ان عقد النكاح وضعه الشارع ليرتب عليه إنتفاع الزوج ببضع الزوجة و سائر بدنها من حيث التلذذ ، فالزوج يملك بعقد النكاح هذا الإنتفاع و يختص به ولا يملك المنفعة ."
( كتاب الفقه على المذاهب الأربعة - الجزء الرابع - صــ 7 )
- و يقصد من هذا التعريف أن الزوج يملك بعقد الزواج التلذذ بالزوجة و الإستمتاع بها و حده ، وهذا هو تعريف الإنتفاع بالزوجة ، و لكن الزوج لا يملك حق المنفعة و الذي يعني أن ليس له أن يعطي غيره حق الإنتفاع بها ، فالزوج لا يملك الزوجة ولا بدنها و إنما فقط يملك حق الإنتفاع بها و ببدنها .
- و في هذا المعنى يقول دكتور محمد نجيب عوضين :
" و تذهب معظم تعريفات الزواج عند الفقهاء إلى التأكيد على أنه " عقد " و أن موضوعه هو إمتلاك الطرفين بهذا العقد الإستمتاع بالآخر على وجه مشروع .
( أحكام الأسرة في الفقه الإسلامي - القسم الأول الزواج و آثاره - صــ 8 )
- و يعلق الإمام الشيخ محمد ابو زهرة ، رحمه الله، على تعريف الفقهاء لعقد الزواج على أنه عقد يفيد حل إستمتاع كل من المتعاقدين بالآخر على الوجه المشروع ، فيقول :
" لا شك أن ذلك من أغراضه ، بل أوضح أغراضه عند عامة الناس ، و لكن ليست هذه هي كل أغراضه ، ولا أسمى اغراضه في نظر الشارع الإسلامي ، بل إن غرضه الأسمى هو التناسل و حفظ النوع الإنساني و أن يجد كل من العاقدين في صاحبه الأنس الروحي الذي يؤلف الله تعالى به بينهما ، و تكون به الراحة وسط متاعب الحياة و شدائدها ، لذلك قال الله تعالى (( و من آياته أن جعل لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها ، و جعل بينكم مودة و رحمة ))
- و إذا كانت تعريفات الفقهاء لا تكشف عن المقصود من هذا العقد في نظر الشارع الإسلامي فإنه يجب تعريفه بتعريف كاشف عن حقيقته و المقصود منه عند الشارع الحكيم . "
( الأحوال الشخصية للإمام محمد ابو زهرة طبعة 1950 صـ 17 )
- لذلك نجد ان الشيخ أبو زهرة قد عرف الزواج تعريفاً شاملاً بأنه :
" عقد يفيد حل العشرة بين الرجل و المرأة ، و تعاونهما ، ويحدد ما لكليهما من حقوق وما عليه من واجبات."
( المرجع السابق )
- و في تعريف الزواج يقول الدكتور محمد سلام مدكور ، رحمه الله :
" إنه عقد يجمع بين المتعاقدين ، مادام يصح التعاقد بينهما ، فيحل بينهما الإستمتاع و الإنجاب ، و يجعل منهما أسرة ، و يرتب لكل منهما حقوقاً على الآخر ، و هو كسائر العقود التي يتوقف الإلتزام فيها على إجتماع إرادتين : إحداهما تمثل جانب الإيجاب و الأخرى تمثل جانب القبول . "
( الوجيز لأحكام الأسرة في الإسلام طبعة 1975 صــ 6 )
رأينا الخاص :
** و من كل ما سبق يا عزيزي القارئ فيمكننا القول بأن الزواج هو :
" عقد رضائي بين الرجل و المرأة ، يكون فيه أحدهما موجب و الآخر قابل ، و موضوعه حل إستمتاع كل منهما بالآخر ،و يرتب حقوقاً متبادلة فيما بينهما على الآخر ، و يهدف إلى التناسل و حفظ النوع الإنساني ، بتكوين أسرة هادئة مستقرة لتكون مناخ جيد لتربية النشأ الجديد ، و إنتظام حياة الإنسان و تحقيق السكينة النفسية و إصلاح شئون الفرد فينصلح المجتمع " **
* و إلى هنا عزيزي القارئ ننهي الجزء الأول و إنتظرنا في الجزء الثاني بعنوان " معايير إختيار شريك الحياة " . شكراً للمتابعة وإلى لقاء قريب إن شاء الله